خلق الله الدنيا فأوسعها و بث فيها خيره و عدده، لينزل فيها عباده ببثه للنفس البشرية من خلق آدم عليه السلام و أبنائه من بعده، مرسلا فيهم أنبياءه و رسله كل في أمة و أرض، وصولا إلى خاتم الأنبياء محمد ابن عبد الله عليه الصلاة و السلام خير البشرية و نورها المشع بالإسلام، الذي أنعم به الله على عباده في كل أرجاء الدنيا و حفظ إسلامه بقرآنه في قلوب المسلمين المتباعدين في المسافات و المتقاربين في الدين و محبة الله و رسوله الكريم. قال الشاعر
تغرب عن الأوطان في طلب العلا و سافر ففي الأسفار خمس فوائد
تــــفرج هـم و اكتســاب معيــــشة و علـم و آداب و صحبــة مـــاجد
حتى و إن تباعدت المسافات و تغربت الأنفس بين القارات و البلدان بحثا عن علم نافع أو للإسترزاق بتجارة، الحلال فيها الدافع. دوافع و أسباب عديدة، كتب الله من خلالها أن يتواجد أبناء جلدتنا في كل قطر من أقطار المعمورة مغتربين عن وطنهم الأم، و كثيرا ما كانوا مغتربين حتى عن بعضهم البعض، رغم أنهم لا تفصلهم إلا مسافات قصيرة، لكن لا نتأسف عن تحصيل حاصل، بل يجب أن نحاول إيجاد منبع يلم الإخوة في بلاد الغربة و يروي عطش الإشتياق زافا إلى قلوبهم الفرحة والطمأنينة. هذا ما أوجد في وجداننا و حرك نخوتنا في محاولة لإنجاز فيلم وثائقي أرشيفي عن أبناء ميزاب في المهجر من خلال رصد حياتهم و تحركاتهم، عملهم دراستهم، بيئتهم… بكل ما شملت في معظم بلدان و عواصم أوروبا. عملنا ليس بالهين و لا هو بالصعب إذا تضافرت الجهود، لكنه ذو صدى واسع لأننا إن شاء المولى عز وجل سنحاول من خلاله توطيد العلاقات بين إخوتنا في المهجر و نحافظ من خلاله على نشر الدعوة إلى التمسك بالإسلام دينا و بالعربية لغة و بالإباضية مذهبا، و نحن في عصر اندثرت فيه المبادئ و تبخرت فيه القيم، حصيلة لنار العولمة المتوهجة و الخارقة للحدود أو بالأحرى -الاستعمار الذكي- هذا العمل سنحاول من خلاله البحث في تاريخ تواجد أبناء ميزاب في معظم تراب أوروبا و بالتالي نقل واقعهم اليومي المعاش و كذا أطروحاتهم و آمالهم كإباضين منحدرين من سهل ميزاب إلى عالم بلدان الضباب. سنتطرق في هذا الفيلم الوثائقي إلى عمل الجمعيات و دورها في أوروبا في الحفاظ على الخصوصية و الهوية الإباضية، من خلال برامجها و نشاطاتها الدينية المتنوعة، و نسلّط الضوء فيه كذلك على الجهود الجبارة المبذولة من طرف إخوتنا الإباضين في تربية الناشئة و الجيل الجديد الحامل لراية الإسلام من خلال دور تحفيظ القرآن و المدارس القرآنية. سنحاول في هذه المساحة الإعلامية تصوير النظرة الحقيقية للروح الإباضية في نفوس الأبناء و الأحفاد من خلال الإجتماعات الدورية للمشائخ و كبار العشائر و لو لمرة واحدة في كل موسم أو مناسبة دينية لأجل تعاطي الحنين للوطن و السهل الجميل لواد ميزاب. سنتطرق إلى فكرة التواصل الحقيقي من خلال إلزامية الحفاظ على الإباضية مذهبا و مرجعا دينيا. سنتطرق إلى نظرة الفرد الأوربي الغربي من خلال تعاملاته مع أبناء ميزاب كشاهد على حقيقة الرجل الإباضي المتمسك بدينه و عرضه. إن كل ما نصبو إليه في هذه النقاط لن يكون إلا من خلال الإستجوابات و المحادثات و تسجيل السهرات و المواعيد الدينية، لنكون بإذن الله من خلال عملنا همزة وصل لابد منها و لابد أن تعقد في قلوب إخوتنا و أبنائنا، مسلطين الضوء على نصفنا الآخر المغترب. كل هذا ما هو إلا تكريم لجاليتنا الميزابية الإباضية في وقت نرى فيه كل المحطات الإذاعية و التلفزيونية تنقل و تصور حياة كل الفئات الإجتماعية في العالم و تقدم تضحياتهم و بعين إعلامية، و نحن لم يتطرق لحياتنا و إجتهاداتنا و تضحياتنا في بلاد الغربة حتى صحفيو وإعلاميو الجزائر،لهذا عزمنا و اتكلنا على المولى ثم عباده من بعده على إشراك إخوتنا في بيئتهم وحياتهم و تذكير الجيل الصاعد و إخباره على ما سينساه الزمن لو تجاهلنا أنفسنا و تناسيناه. فهذا الفيلم الوثائقي أملنا من خلاله أن لا يكون دعائيا بل نأمل أن يكون وسيلة للوحدة والتكافل الاجتماعي بين الأشقاء في بلاد الغربة، يعود إليه كل من يشتاق لذاته أو أهله الأصليين ليرى تاريخ الشعب الذي لا يتعب و القلب الذي لا يكذب. فعملنا الوثائقي يعتبر كالسيرة التي يجب أن تنتهج و مرجع يذكر دائما عند كل تفقده في مناسبة أو فرصة…بمن نحن؟ كيف كنا؟ كيف يجب أن نكون؟ فلنحافظ معا على تاريخنا وإرثنا و لنشترك جميعا في بناء الذاكرة الإنسانية و الجماعية لأبناء السهل الذي مد للعالم رجالا أئمة و مفكرين، أدباء و شعراء ولا يزال يمد كالبحر الذي يعطي بسخائه ولا ينتظر مقابل. وفقنا الله وإياكم لما فيه الخير للأمة والدين
